اقتصادسياسة

د. أحمد صفوت السنباطي يكتب: مصر تبحث استثمار عقولها المهاجرة عبر شراكات اقتصادية جديدة

استراتيجية الجنسية الضريبية المشروطة تحول النزيف إلى فرصة

في خضم معركتها التنموية، تواجه مصر تحديًا معقدًا يتمثل في هجرة العقول والكفاءات التي أنفقت الدولة والمجتمع على تعليمها وتدريبها، قبل أن تغادر لتسهم في نهضة دول أخرى. أطباء وعلماء ومهندسون وخبراء في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا يتصدرون مشهد النجاح عالميًا، بينما يبقى الوطن محرومًا من مردود خبراتهم.

لكن هذا التحدي لا يمثل نهاية المطاف، بل يمكن أن يتحول إلى فرصة ذهبية إذا ما تمت إدارته برؤية جديدة تقوم على “الاستثمار العكسي”. الفكرة تتمثل في تطبيق مفهوم “الجنسية الضريبية المشروطة”، الذي يربط المصريين في الخارج بشراكات اقتصادية مع وطنهم، دون إلزامهم بالعودة النهائية.

المقترح يمنح العقول المهاجرة حوافز استثنائية، أبرزها إعفاءات ضريبية كاملة أو جزئية على دخولهم من الخارج لفترة محددة، مقابل التزامهم باستثمار جزء من وقتهم وخبراتهم ومدخراتهم في الداخل. المشاركة يمكن أن تتم من خلال استثمارات مباشرة في الشركات الناشئة، تقديم الاستشارات المتخصصة للقطاعين العام والخاص، نقل التكنولوجيا الحديثة، وتدريب الكفاءات المحلية عبر المنصات الرقمية.

بهذه الآلية، يتحول المهاجر من مجرد مرسل لتحويلات مالية محدودة القيمة، إلى شريك في التنمية، ناقل للخبرة، ومصدر لجذب الاستثمارات الدولية عبر شبكة علاقاته. والأهم أن الاستراتيجية تزيل مخاوف العودة الدائمة، إذ تتيح المشاركة الفعالة دون خسارة المكاسب التي تحققت بالخارج.

التنفيذ يتطلب إطلاق منصة وطنية للمسجلين تحت مسمى “مستثمرو الكفاءة”، تمنحهم بطاقة مميزة تتيح الحصول على المزايا المقررة، مع آليات تقييم دقيقة لمدى مساهماتهم وتأثيرها على الاقتصاد. هذه الرؤية تعكس براغماتية وواقعية تتناسب مع طبيعة العصر، حيث لم يعد الولاء مرهونًا بالمكان بل بفاعلية المشاركة.

في النهاية، تثبت هذه المقاربة أن ثروة مصر الحقيقية ليست في مواردها الطبيعية، بل في عقول أبنائها، سواء عاشوا على أرضها أو في بلاد أخرى، فهي الثروة الوحيدة التي لا تنضب: المعرفة والإبداع.

د. أحمد صفوت السنباطي
الدكتور أحمد صفوت السنباطي بمحكمة النقض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى