سياسةمقالات الأعضاء

المستشار طارق مقلد يكتب: «البقاء لله في الديمقراطية»

يبدو أن الديمقراطية في مصر قد لاقت حتفها رسميًا، وتم دفنها دون صلاة جنازة، بعد ما شهدناه من استبعاد القوائم الانتخابية التي تقدمت لخوض المنافسة، ليُمنح الفوز مسبقًا وعلى طبق من فضة لما يُسمى بـ”القائمة الوطنية”.
أي عدالة هذه؟!
وأي قانون يجيز أن تُغلق أبواب المنافسة قبل أن تُفتح؟

لقد تحولت العملية الانتخابية إلى مسرحية مكتوبة السيناريو والنهاية، والجمهور مجبر على التصفيق، حتى وإن كان يعلم أن البطل المزيف لا يستحق البطولة.

ما حدث ليس مجرد استبعاد لقوائم… بل هو اغتيال علني لإرادة الناس، ونسف لمفهوم الاختيار الحر، وإهانة لعقول ملايين المواطنين الذين كانوا ينتظرون انتخابات حقيقية تُعيد الثقة في العملية السياسية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوز كل حدود العدالة والنزاهة، فها هي ملفات القائمة الشعبية تُسرق بعد تقديمها رسميًا في سابقة خطيرة لم تشهدها أي انتخابات من قبل، بينما تم رفض أوراق قائمة الائتلاف الوطني الحر ونداء مصر بعد استيفائها كاملة دون إبداء أي أسباب قانونية أو موضوعية!
فهل يُعقل أن تُدار العملية الانتخابية بهذه الفوضى وهذا الاستخفاف بالقانون وبحقوق من تقدموا؟
أين الشفافية التي نتغنى بها؟
أين تكافؤ الفرص؟
هل أصبحت الديمقراطية سلعة تُمنح لمن نريد وتُمنع عمن نرفض؟
إن استبعاد القوائم المنافسة بهذه الطريقة يُعيدنا إلى زمن الصوت الواحد والرأي الواحد والكرسي الواحد، وكأن التاريخ لا يريد أن يتعلم، وكأننا لا نزال نعيش في دائرة مغلقة من “نعم” و“تمام يا فندم”.

ولم يقف الأمر عند حدود التلاعب في القوائم فحسب، بل ضاعت أحلام المئات من أبناء هذا الوطن الذين كانوا يرون في عضوية مجلس النواب فرصة للتعبير عن صوت الناس، وأملًا في التغيير الحقيقي، ومجالًا لخدمة الوطن بإخلاص لا بمصالح.

ضاع حلم الشباب الذي صدق أن المشاركة ممكنة، وضاع حلم المرأة التي ظنت أن صوتها سيصنع فارقًا، وضاع حلم المواطن البسيط الذي كان يبحث عن نائب يسمع صوته ويشعر بمعاناته.

إن ما جرى هو منتهى العبث بأحلام شباب ونساء هذا الوطن، الذين تقدموا بخطى واثقة للترشح إيمانًا بالوطن وعدالة الفرصة، فإذا بهم يصطدمون بواقع مرّ لا يعرف عدلًا ولا تكافؤًا، واقع يقتل الطموح في مهده ويُغلق الأبواب في وجه الأمل.

وفي هذا المشهد العبثي لا يسعنا إلا أن نقول بسخرية مرة:
مبروك فوز القائمة الوطنية مسبقًا، ومبروك لأصحاب المال والنفوذ حصد مقاعد مجلس النواب دون منافسة أو عناء.

فقد أصبحت الديمقراطية في وطننا تُقاس بما في الجيوب لا بما في العقول، وبما يُدفع لا بما يُقدَّم من فكر أو خدمة.

لقد ماتت الديمقراطية، ومعها دفنّا أحلام من أراد الإصلاح من الداخل، ومن صدّق أن التغيير يأتي عبر الصندوق لا عبر الصدام.

ولا نقول إلا ما يليق بالمقام:
البقاء لله في الديمقراطية… وعزاءنا في وطنٍ يستحق أفضل من هذا العبث.

رسالة إلى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي

سيادة الرئيس، نعلم أنك تؤمن بدولة القانون والمؤسسات، ونثق أنك لا تقبل أن تُذبح الديمقراطية على يد المال السياسي أو النفوذ أو المصالح الضيقة.
إن ما يحدث الآن مهزلة سياسية تهدد الثقة في العملية الانتخابية وتغتال روح المشاركة الوطنية.

نناشدكم – من موقع المسؤولية والضمير الوطني – بالتدخل العاجل لوقف هذه الفوضى وإعادة الأمور إلى نصابها، حمايةً لصوت المواطن، وصونًا لما تبقّى من حلم بالديمقراطية الحقيقية التي وعدتم بها هذا الشعب العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى